المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبائلية وفقه النسب والانتساب


الوهاشي نت
10-29-2010, 12:14 AM
الناس في مواقفهم من مسألة النسب والانتساب, طرفان ووسط, فهناك الغالي الذي جعل من النسب معقد للولاء والبراء, وهناك الجافي الذي تنكر للنسب ورأى أن القضية برمتها جاهلية, فلبس الحق بالباطل, والله تعالى يقول ( ولا تلبسوا الحق بالباطل),سورة البقرة, الآية (42).

والصواب أن الإسلام عقيدة وشريعة قائم على قاعدة الوسطية التي تجمع بين الثنائيات بميزان قسط, والذين لا يدركون أثر هذه القاعدة يشتطون في فهمهم ذات اليمين وذات الشمال, و تمثل قاعدة الوسطية هو سر اطراد منهج السلف الصالح في أصول الدين وفروعه, فموقفهم من السمع والعقل, ومن الدنيا والآخرة, ومن الروح والجسد,وغيرها من الثنائيات تجد التكامل في النظر, بناء على تكامل النصوص الشرعية وعلاقة بعضها ببعض, وأن الوحي المتمثل في الكتاب وصحيح السنة لا يمكن أن يتناقض أو يتعارض,{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.

فهذه المسألة يجب ألا نخلط فيها بين العصبية المقيتة, وبين نعمة شرف النسب بشترط اقترانها بالإيمان, وأهل العلم من أرباب التحقيق نبهوا إلى هذا الجانب. يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي:" فيلزم الناظر في هذه المسألة أن يفرق بين الأمرين، ويعلم أن النداء بروابط القوميات لا يجوز على كل حال، ولا سيما إذا كان القصد بذلك القضاء على رابطة الإسلام، وإزالتها بالكلية بدعوى أنه لا يساير التطور الجديد، أو أنه جمود وتأخر عن مسايرة ركب الحضارة. نعوذ بالله من طمس البصيرة. وأن منع النداء بروابط القوميات لا ينافي أنه ربما انتفع المسلم بنصرة قريبه الكافر بسبب العواطف النسبية والأواصر العصبية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة".انظر: أضواء البيان(3 / 46).

يقول الله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار.

وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بينه تعالى في مواضع أخر؛ كقوله في صالح وقومه: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} الآية.

ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروره خوفاً من عصبته؛ فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار. وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى}، أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.

وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة، فكونه جل وعلا يمتن على رسوله صلى الله عليه وسلم بإيواء أبي طالب له دليل على أن الله قد ينعم على المتمسك بدينه بنصرة قريبه الكافر.
ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة، بدليل قوله تعالى عنه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين.

ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بني هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف عرف النَّبي صلى الله عليه وسلم لبني المطلب تلك المناصرة التي هي عصيبة نسبية لا صلة لها بالدين؛ فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بني هاشم، وقال: "إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام" ومنع بني عبد شمس وبني نوفل من خمس الغنيمة، مع أن الجميع أولاد عبد مناف بن قصي".انظر:أضواء البيان(2/ 198).

يقول صاحب كتاب"المحاضرات في اللغة و الأدب":
"ثم قد يفيض شرف الإنسان حتى يستطيل على من قبله من سلفه فتَحْيا رسومهم بعدما كانت دائرة، وتعمر ربوعهم بعدما كانت غامرة، والذروة العليا أيضاً فيمن عاد شرفه على من قبله هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار إليه الشاعر ابن الرومي بقوله:
قالوا: أبو الصقر من شيبان قلت لهم --- كلاّ لعمري ولكن منه شيبان
تسمو الرجال بآباءٍ وآونَــــــــــــــــةٍ --- تسمو الرجال بأبناءٍ وتَزْدان
وكم أبٍ قد علا بابن ذُرى حســـــب --- كما علت برسول الله عدنان
وادعى هذا الوصف الشاعر أبو الطيب فقال:
ما بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي افتخرت لا بجدودي
أما شرفه هو في بابه فلا ينكر، وأما شرف قومه به فالشعر أعذبه أكذبه، وإلاّ فالحكم على الشيء فرع تصوره، نعم، كان من عادة العرب أنه إذا نبغ شاعر في قوم اعتزوا به، واحتموا عن الشعراء، فلو تحقق لأبي الطيب قوم لكانوا كذلك"

وقفات مع الموضوع:
الوقفة الأولى:
العناية بالأنساب من وظائف أهل العلم والفضل.

الوقفة الثانية:
الكلام في سير الأموات يجب أن يكون لهدف وهو الاعتبار والإفادة.

الوقفة الثالثة:
حين يتكلم المرء عن تاريخ شخص ما فهو بين أمرين:إما أن يتكلم بعلم وعدل, وإما أن يتكلم بجهل وظلم.
والله أمرنا أن نتكلم بعلم (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وبالعدل (وإذا قلتم فاعدلوا)

الوقفة الرابعة:
جرت سنة الله تعالى أنه لا يخزي أهل المكارم الفاضلة, ولا يبتر سبحانه ذكر أرباب الشيم الكاملة.

الوقفة الخامسة:
الله تعالى بعلمه وحكمته قد فطر الناس جميعا على محبة مكارم الأخلاق, ومحبة أهلها, والثناء بها عليهم.

والله أعلم وأحكم.